ثانوية-الأشباح-الفصل-8

ثانوية الأشباح – الفصل الثامن: الأشباح

لقراءة الفصل السابع: ثانوية الأشباح – الفصل السابع: أمجد

خرجت! لم تتوالى المصائب على رأسي؟!

اقتربتُ من نجم مستغلّة انشغال البقيّة بالهلع، وحين وقفتُ أمامه قال “ما الّذي تفعلينه هنا الآن؟!”

-“اشرح لي ما يحدث أوّلا”

-“الأشباح خرجت، لم تخترق جدران مبنى الثانوية لكنّها تتجوّل في أرجائها الآن”

-“لكنّكَ قلتَ أنّها لن تخرج إلّا إن فتحتُ لها باب الغرفة؟!”

رأيتُه في تلك اللّحظة قد وضع يده على رأسه وكأنّه يفكّر بعمق، ثمّ قال وهو ينظر إلى الخارج من خلال النّافذة “انظري، بدأت الشّمس تغرب. الإشاعات الّتي يتداولها الطلّاب هنا هي أنّهم يسمعون أصواتا تصدر من الثانوية في اللّيل. هذا يفسّر وجودها حاليا، وهذا يعني بأنّها لم تتحرّر بعد فهي لم تستطع الخروج من إطار الثانوية”

-“إذن ماذا الآن؟”

فجأة تقدّم منّي نجم وأمسك بيدي لأجد نفسي بعدها في الرّواق المؤدّي إلى المكتبة حيث كنّا واقفين أمام قاعة الرّسم، وقبل أن أستوعب تلك النّقلة رأيتُ..! شكله بشع،له عينان حمراوان تشعّان شراسة، وجسم ضخم مغطّى بالدّماء، هو آت نحوي من قاعة الرّسم. لم أستطع الصّراخ ولم أستطع الحراك، ظننتُها النّهاية ثمّ سقطتُ وأغمضتُ عيناي، لكن بعد لحظات وجدتُ بأنّني لا أزال حيّة، فتحتُ عينيّ لأجد نفسي جالسة على الأرض في المكتبة و نجم جاث على إحدى ركبتيه أمامي.

أنا أرتعش، كلّ شيء فيّ يرتجف بشدّة وقلبي يكاد يتوقّف عن الخفقان بسبب الرّعب الّذي أشعر به.

لم أُعر انتباها لنجم الّذي يجلس أمامي، إلّا حين شعرتُ به يمسك ذراعيّ ثمّ قال “اهدئي أرجوك، حاولي السّيطرة على نفسك”

الآن فقط عدتُ إلى الواقع، نظرتُ إليه للحظات ثمّ انفلتُّ من بين يديه وقلتُ بلهجة حانقة “ابتعد عنّي، كلّ هذا بسببك، ما هي تلك الأشياء؟ ما الشّيء الّذي فعلتَه لنصل إلى كلّ هذا؟!”

وقف ثمّ مدّ يده إليّ وقال بهدوء “يمكنكِ معاتبتي لاحقا، عليكِ أن تكوني قويّة الآن إن كنتِ لا تريدين الأذى لزملائك”

كلامه صحيح! إن وصلت إليهم تلك الأشياء فسيُقضى عليهم جميعا!

قرّرتُ الوقوف وحدي متجاهلة يده الّتي مدّها إليّ ثمّ قلت “ما الّذي عليّ فعله؟”

-“لا تسمحي لهم بالخروج من المكتبة، تلك الأشباح غير قادرة على دخول مكان تتواجدين أنت فيه، لذا كأوّل خطوة، امنعيهم من التفرّق”

-“لا أستطيع، هم مرتعبون الآن ولا شكّ بأنّهم سيقرّرون استكشاف ما يحصل، ماذا سأقول لهم؟”

-“عليكِ أن تتصرّفي، وسأرى إن كانت هناك طريقة تضمن خروجكم بسلام”

بالكاد أنهى عبارته ثمّ اختفى، ما الّذي يمكنني فعله؟ كيف لي بإقناعهم؟!

في الحقيقة هناك طريقة واحدة لضمان بقائهم في المكتبة، لكنّها طريقة مذلّة!

توجّهتُ نحو باب المكتبة حيث تجمّع الطلّاب محتارين فيما عليهم فعله، جلتُ ببصري بينهم إلى أن رأيتُ أمجد واقفا لوحده مسندا ظهره إلى أحد رفوف الكتب. كان يبدو غير مكترث بما يحدث!

اقتربتُ منه، ثمّ وقفتُ أمامه بارتباك فهتف بلهفة “ها أنت! أين اختفيتِ فجأة؟”

تردّدتُ بضع لحظات ثمّ رفعتُ بصري إليه وقلت “أريد منكَ معروفا”

ظلّ محدّقا بي منتظرا ما سأقوله، فما كان منّي إلّا أن واصلت “أريدك أن تطلب من الجميع البقاء في المكتبة، اسرد عليهم أيّ سخافة واجعلهم يطيعونك”

بدت عليه علامات التعجّب من كلامي ثمّ قال “لمَ تطلبين منّي هذا الطّلب؟!”

-“هذا هو المعروف الّذي أريده منك، نفّذ ما قلتُه دون أن تستفسر عن السّبب لأنّني لا أستطيع الشّرح لك. كلّ ما يمكنني قوله هو أنّها الطّريقة الوحيدة لضمان سلامتهم”

فجأة رأيتُه ابتسم بمكر وقال “إذا كان كذلك، فعليك دفع الثّمن!”

هذا تماما ما كنتُ أخشاه! هي فرصته لينال منّي!

الآن عليّ أن أختار بين كرامتي وبين سلامة الجميع، خيار صعب!

لم أكد أقلّب الأمور في رأسي وإذ بأمجد قد ابتعد عنّي. لاحظتُه بنظراتي فرأيتُه صعد على إحدى الطّاولات ثمّ صفّق بيديه وقال “شباب انتبهوا معي قليلا، وصلني اتّصال من الحارس بأنّ قاتلا مخبولا قد دخل الثانوية، وقال بأنّ الشّرطة ستصل قريبا. لذلك سنغلق حاليا باب المكتبة ونبقى فيها إلى حين التأكّد من أنّه قد تمّ القبض عليه. و تأكّدوا أيضا من إغلاق النّوافذ، ليلتزم الجميع بالأوامر”

قاتل مخبول! لهذا لجأتُ إلى أمجد. أعرفه يستطيع اختراع قصص محكمة ولديه طريقته في الإقناع!

بمجرّد أن أنهى كلماته، انتشر الطلّاب لإغلاق النّوافذ ثمّ جلسوا هادئين عيونهم على أمجد كما لو أنّه منقذهم!

وحين ضمن التزامهم قفز من على الطّاولة، ثمّ اقترب منّي وهو يبتسم إلى أن وقف أمامي وقال “ما رأيك بي؟ بارع صحيح؟!”

أنا الآن لا أفكّر إلّا في شيء واحد.

-“ما هو الثمن الّذي تريده؟”

للحظات بدا وكأنّه يفكّر بما سيطلب ثمّ قال “ما رأيكِ أن تثقي بي كما وثقتُ بك و تطلعيني على ما يحدث هنا؟”

وقبل أن أجيبه، سمعنا ذاك الصّوت ثانية و دبّ الرّعب بين الطلّاب ثانية!

تلفّت أمجد حوله ثمّ قال وهو ينظرإليّ “لن تصمد خدعة القاتل المخبول، فهذا الصّوت يبدو جنونيا، أخبريني ما الّذي يحدث؟”

-“فقط اصبر، ستتصلّح الأمور قريبا”

لستُ واثقة تماما بما قلتُه لكن عليّ انتظار نجم، لا سبيل آخر!

همّ أمجد بمناقشتي لكنّه لمح أحدهم قد اقترب من هاتف المكتبة عندها قال بسخرية “ستكون كارثة إن اكتشف بأنّني فصلت خطّ الهاتف!”

وما كان منه إلّا أن ذهب إليه ومنعه من العبث به.

بالفعل مبدع، أمجد حسب حسابا لكلّ شيء. لولاه لما استطعتُ التصرّف!

ابتعدت عن الطلّاب ومكثتُ بضع لحظات وأنا أشعر بالخوف من فشل الخطّة، إلى أن ظهر نجم أمامي. رمقني بنظرات تفحّصية ثمّ قال “الطّريقة الوحيدة لإيقاف كلّ هذا هي أن تخرجي، إذا ما ذهبتِ إلى تلك الغرفة فسيتجمّعون فيها أملا في أن تفتحي لهم الباب، كلّ ما عليك فعله هو أن تغلقيه!”

شعرتُ في تلك اللّحظة وكأنّني لم أستمع إلى ما قال بانتباه، عليّ أن أتبعه و حسب!

-“أنا لم أفهم شيئا ممّا قلته، فقط نفّذ خطّتك ودعنا نخرج من هنا”

ابتسم هو عندما سمع عبارتي، وكأنّ الوقت مناسب لذلك! ثمّ أمسك بيدي مرّة أخرى، ووجدتُ نفسي أمام تلك الغرفة الغريبة حيث كان بابها مفتوحا جزئيا.

التفت إليّ نجم ثمّ قال “أغمضي عينيك ولا تكترثي بما تسمعينه، أنا معك لذا لا تخافي”

فهمتُ فورا بأنّ كلماته تعني بأنّ تلك الأشباح ستظهر ثانية. تملّكني الرّعب وما كان منّي إلّا أن أغمضتُ عينيّ وتمسّكتُ بيده دون وعي!

كانت بضع لحظات كاد يُغمى عليّ فيها. الأصوات كانت عالية جدّا ومخيفة جدّا، كما شعرتُ بها قريبة منّي. في كلّ مرّة أفقد فيها الشّعور بنفسي كنتُ أتحسّس يد نجم لأشعر ببعض الطّمأنينة! فجأة توقّفت الأصوات وشعرتُ بأنّ نجم يحرّك يدي، حيث وضعها على مقبض الباب ثمّ أغلقه. حتّى بعد ذلك لم أجرؤ على فتح عينيّ إلّا حين سمعتُه قال “يمكنكم المغادرة الآن”

نظرتُ إليه وأنا لا أدري ما أقول فابتسم لي وقال “نتحدّث لاحقا، فقط اخرجوا الآن”

بعد أن اختفى، ذهبتُ إلى أمجد الّذي كان يبحث عنّي وقلتُ له بابتسامة “هلّا وجدتَ نهاية لفلم القاتل ذلك الآن؟ الطّريق آمن للخروج”

وجّه هو إليّ نظرات استغراب ثمّ ابتسم وقال “لدينا الكثير لنقوله لاحقا، لا تظنّي أنّكِ ستفلتين بهذه السّهولة”

كم أنا محظوظة! نجم من جهة وأمجد من جهة. ربّما سأقسم نفسي إلى قسمين وأعطي كلّا منهما واحدا!

اتّجه أمجد إلى باب المكتبة ثمّ فتحه وصرخ قائلا “انتهت حالة الطّوارئ، ليخرج الجميع”

استغرب الطلبة كيف أنّ رجال الشّرطة لم يصلوا إليهم ليبلّغوهم بذلك، لكنّ أمجد برّر الأمر بالمزيد من الخداع وجعلهم يخرجون دون لقاء الحارس حتّى!

في تلك اللّحظة كان كلّ منهم يريد النّجاة بنفسه وحسب، لكنّني أشعر بأنّ الأسئلة ستكشف الخدعة وسيقع أمجد في المشاكل بسببي!

لقراءة الفصل التاسع: ثانوية الأشباح – الفصل التاسع: اللّقاء



التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا