أنا أسيل، وعمري سبعة عشر عاما. طالبة في السنة الأخيرة من الثانوية.
انتقلتُ إلى ثانوية جديدة مع معظم زملائي. اليوم هو أوّل أيّامي فيها وقد استيقظتُ على مقالات والدتي ككلّ عام، هي لا تسأم من تكرار كلامها!
النّظر إلى المرآة هو أوّل ما أفعله حين أستيقظ، فأنا لا أريد الخروج والبقع السّوداء تغطّي أسفل عينيّ. على أيّ حال، حتّى لو وجدتها يوما ما فسترغمني والدتي على الخروج، فهي تظنّ بأنّني صغيرة على هذا الإهتمام الزّائد بنفسي، تفكير متحجّر!
يقولون بأنّني جميلة. لي شعر أسود قصير يلامس خديّ، بشرتي بيضاء اللّون وعيناي سوداوان واسعتان.
خلال طريقنا للثانوية أنا وصديقاتي، لم نتحدّث إلّا عن موضوع واحد ‘ما الّذي سيحصل لنا؟’
ثانوية النّجاح، أو ثانوية الأشباح كما نحبّ تسميتها، تبدو كبيت الرّعب بالنّسبة لنا.
ظلّت مغلقة مدّة عشر سنوات بعد أن قام أحد الطلّاب بقتل خمسة عشر أستاذا. كانت تلك حادثة مرعبة لبلدتنا، وقد أثارت ضجّة إعلامية كبيرة.
الغريب في الأمر هو أنّ سبب القتل أو حتّى مصير ذاك الفتى لا يزالان مجهولين حتّى الآن. أمّا وسائل الإعلام فلم تستسلم بعد، فهم يظنّون بأنّ أهالي البلدة يخفون سرّا خطيرا وراء الحادثة.
في الحقيقة، نحن صغار السنّ نظنّ ذلك أيضا، وذلك لأنّ أهالينا يتصرّفون بطريقة غريبة كلّما سألناهم عنها، ويأمروننا بعدم ذكر الموضوع ثانية، وكأنّنا ننتهك بعض المحرّمات!
لا أعلم حتّى لمَ أعادوا فتحها في هذا الوقت، ولكنّها الأقرب إلى منزلنا، كما قد استدعوا نخبة الأساتذة للتّدريس فيها. هذه حجج والدي لأوافق على ارتيادها، حجج سخيفة ولا ترضي طفلا صغيرا!
أن نكون أوّل من يدخلها بعد كلّ فترة الإغلاق تلك، وأن نسير في أرجائها بعد كلّ ذاك الدّم الّذي سُفك على أرضيتها وبعد الإشاعات الّتي أطلقت حول الأصوات الّتي تصدر منها، كلّ هذا يشعرني بأنّني أدخل بيت رعب!!
بمجرّد أن عبرنا بوّابة الدّخول، سمعتُ صوتا ينادي باسمي، وحين التفتُّ لم أتفاجأ كثيرا، إنّه أمجد وأتى ليزعجني بسخافاته.
-“مرحبا أسيل، كيف هو الخوف معك؟”
-“لربّما كان عليك أن تطرح هذا السّؤال على نفسك بما أنّك نسيت وضع مثبّت الشّعر”
عبث هو بشعره ليعلم بأنّني أخدعه، يستحقّ هذا!
ومع ذلك فهو لم يغرب عن وجهي بل أراد إطالة الحوار.
-“ليس مضحكا أبدا ولم أخدع إنّما…”
-“أجل أجل، هلّا أفسحت الطّريق.”
أوقفته عند حدّه ثمّ تركته في موقف محرج أمام أصدقائه. لستُ فتاة شرسة، لكنّ أمجد واحد من الفتيان المغرورين بوسامتهم، ويقولون بأنّني الفتاة الوحيدة الّتي حاول جذبها إليه دون جدوى. برأيي ينقصه الكثير من التّهذيب ليرقى إلى مخاطبتي!
كانت الحصص مزعجة بقدر إزعاج ثرثرة رؤى الّتي تجلس بجانبي.
في فترة الغداء لم يذهلنا شيء بقدر اتّساع المطعم لدرجة أنّنا نسمع ما يشبه الصّدى في أرجائه.
جلستُ مع الفتيات وبدأن بسرد المواضيع السّخيفة؛ المشاهير، الموضة، وأشياء لا فائدة منها.
شعرت بالفضول لأستمع إلى ثرثرة الفتيان الجالسين قربنا، ولم يكن حالهم أفضل منّا!!
كلام عن كرة القدم ومن ربح ومن أخطأ، وكم باعوا اللّاعب هذا واللّاعب ذاك. برأيي أمر أولئك اللّاعبين يشبه صفقات الأبقار، تشتريها صغيرة وتشرف على رعايتها لتتمكّن من بيعها بثمن أغلى!
لم تعد لي رغبة بالأكل فتسلّلتُ خارج المطعم و قرّرتُ القيام بجولة بما أنّها فترة الغداء.
الممرّات كبيرة وطويلة، وكأنّها دون نهاية، وانعكاس صورتي على جدرانها جعلني أشعر بأنّني ضائعة في متاهة.
لم أكن أعرف تماما إلى أين سيؤدّي بي هذا الممرّ، إلى أن رأيت ظلّ أحدهم يتسلّل من باب غرفة في آخره.
شعرتُ بالخوف لوهلة ثمّ تشجّعتُ وتقدّمتُ من الغرفة، فأنا لا أؤمن بالأشباح أو غيرها.
كان الباب مفتوحا جزئيا، فالتقطتُ أنفاسي ثمّ وضعتُ يدي على المقبض لأفتحه، وقبل أن أفعل فوجئتُ بيد أحدهم تمسك بيدي ثمّ صوت يقول “لا تفعلي”
استدرتُ بسرعة لأنّني شعرت بأنّ هناك من يقف خلفي، لكن… لا شيء. حتّى اليد الّتي أوقفتني اختفت.
فكّرتُ حينها بأنّني أتوهّم بسبب الخوف، ثمّ قرّرتُ أن أدخل الغرفة لأبدّد خوفي. وحين التفتُّ إليها لم أجد إلّا الجدار أمامي.
لم تعد هناك أيّ غرفة، فقط جدار الممرّ الّذي لا يزال يبدو دون نهاية.
كان أمامي في تلك اللّحظة خياران، إمّا أن أبلّغ عمّا حدث معي فيسخر منّي الآخرون ويتهّمونني بتخيّل أمور مستحيلة بسبب الخوف، أو أن أبقي الأمر سرّا و أحاول المحافظة على عقلي من الجنون! سأقبل بالخيار الثاني!!
لقراءة الفصل الثاني: ثانوية الأشباح – الفصل الثاني: شبح