ثانوية-الأشباح-الفصل-12

ثانوية الأشباح – الفصل الثاني عشر: أمجد يتغيّر

لقراءة الفصل الحادي عشر: ثانوية الأشباح – الفصل الحادي عشر: دموع نجم

تلك الغرفة تجذبني إليها بالفعل. مهما كان ما حدث خلال تنفيذ تلك التّعويذة، فهو بالفعل قويّ استطاع التّأثير عليّ!

خلال طريقي إلى المنزل في ذاك اليوم، لم أستطع التّفكير إلّا في أمر نجم والأشباح وما إلى ذلك. أخشى بأنّه عليّ أن أودّع احتمالية التخرّج من الثانوية هذا العام!

من عليّ أن أسأل؟! أُغلقت كلّ الأبواب في وجهي. والداي وشقيقتي، الأقارب والجيران، لا فائدة.

لكنّني اليوم تذكّرت أحدهم، حسام! مجرّد التّفكير فيه يزعجني لكن من يدري، قد يفيدني بمعلومة ما!

فكّرتُ في أن أذهب لمنزل شقيقتي وأسأل عن مكانه، لكنّني وجدتُها فكرة سيّئة! عندها تذكّرتُ أحد النّوادي والّذي أعلم أنّه يرتاده دوما.

اتّجهتُ إليه ووقفتُ في مكان قريب علّي أراه يدخل أو يخرج منه. حين مضت أكثر من نصف ساعة قرّرتُ الإستسلام، و إذ بي أراه قد خرج من النّادي. يا للإحراج! حتّى أنّه ليس وحده بل مع أصدقائه. لم أشأ أن ألوّح له بيدي وقد جنّبني هو ذاك العناء حين اتّجه إليّ بنفسه!

بعد أن سأل عن حالي وما إلى ذلك من استخدامه للعبارت المنمّقة، قلتُ له “أخبرني بما تعرفه عن نجم فاضل”

ارتسمت على وجهه في تلك اللّحظة نظرة غريبة وكأنّه يقول ‘ألهذا أنتِ هنا؟!’

وبعد أن استرخى قال “لمَ تسألين عنه؟”

-“الفضول وحسب، هل كنتَ تعرفه؟ وهل تعرف شيئا عن حياته؟”

أطرق حسام مع نفسه قليلا ثمّ قال “ما أعلمه هو أنّ نجم يستحيل أن يكون قاتلا”

-“إذن لمَ لا يتحدّث أحد؟ لم لم يطالب أيّ شخص بإعادة فتح قضيّته؟”

-“بسبب والده، لقد منع أيّ استفسار عنه، وحتّى الصّحافة رضخت لأوامره”

-“سمعتُ بأنّ والده كان يحضّر لشيء ما في ثانوية النّجاح، في نفس العام الّذي حصلت فيه تلك الحادثة”

-“أجل، أتذكّر شيئا من هذا، لكن لم يعلم أحد بما ينوي، لأنّه لم يسمح لأحد بالإطّلاع على المنطقة الّتي حجزها في الثانوية”

عدنا إلى نقطة البداية، وكأنّني أدور في حلقة مفرغة! لكن، هل قال بأنّ الصّحافة رضخت لأوامره؟!

-“هل يُعقل بأنّه هناك صحفيين يملكون معلومات، لكنّهم لم يستطيعوا نشرها؟”

بدت لهجتي حماسية أكثر من اللّازم فحدّق بي حسام قليلا، ثمّ قال بعفوية “مؤكّد، كانوا يتابعون الأحداث رغم التّحذيرات، كما أنّه معروف بأنّ الصّحافة تجلب الأخبار ولو كانت تحت الأرض!”

-“إذن عليّ البحث عن صحفيّ مهتم بالقضيّة”

-“أسئلتكِ غريبة، ما سبب اهتمامكِ بقضيّته الآن؟!”

لن تصدّق حتّى لو أخبرتك! شكرتُ حسام، وغادرتُ بعدها وأنا أشعر بأنّ الأمل بدأ يعود إليّ. لا أعرف صحفيا معيّنا لكن على الأقلّ… أعرف أين سأبحث الآن.

في اليوم التّالي، كانت لديّ مشكلة صغيرة عليّ تسويتها! قبل بدء الدّروس تشجّعتُ واقتربتُ من أمجد لأتحدّث إليه، من قبل كان يبدو لي غامضا، الآن هو مظلم تماما!

ارتبكتُ قليلا ثمّ قلت “أتساءل ما الّذي أصابك بالأمس، نحن حتّى  لم ننته من المشروع، هل أزعجتكَ بشيء؟”

يا لسخرية الموقف! منذ متى كنتُ أهتمّ بأمجد و مزاجه!

حدّق هو بي قليلا ثمّ قال “لا تهتمّي، أنا أكره تغيّري لا أكثر”

لم أفهم تماما ما يقصده، ثمّ رأيتُه ابتسم وقال “لأكون صريحا، أنا أشعر بالغيرة من نجم”

-“أنت تمزح! أمجد يغار من فتى آخر؟!”

ضحك هو من عبارتي، وله كلّ الحقّ في ذلك، ثمّ قال “سألتُ عنه، وقد كانت الإجابات مذهلة. الجميع أثنوا عليه بسبب أخلاقه العالية. لو… كنتُ مكانه لما ذكرني أحد بخير. وهذا أيضا ما يدفعني للاشفاق عليه، ما كان يجب أن يحصل ما حصل لشخص مثله، هو لا يستحقّ ذلك”

أنا حقّا لا أصدّق! أهذا أمجد؟! أو لعلّي أحلم!

عاد هو ليبتسم لي ثمّ قال “في البداية أردتُ التغيّر لأجلك، أقصد… لقّنتِني درسا بإعراضكِ عن كلّ محاولاتي لجذبكِ إليّ. وحين رأيتُ نجم، ازددتُ يقينا بأنّني أتّبع طريقة حياة خاطئة وبأنّه عليّ تغييرها”

-“أنا… لا أدري ما أقول، سعيدة بسماع هذا الكلام، لم يسبق أن توقّعتُ منك أن تتغيّر”

بدا أمجد مرتبكا حين سمع كلماتي، فابتعد عنّي وبدأ بالعبث بشعره ثمّ قال “لا تتوقّعي منّي كلاما مرتّبا كهذا دائما، كان موقفا مزعجا بما يكفي!”

أنا أشعر بسعادة غامرة. صحيح بأنّني لم أسعَ لذلك، لكنّني ساهمتُ في تغييره فقط بتصرّفاتي معه. سيصير أمجد شخصا رائعا لو استمرّ في تغيير نفسه، أنا واثقة!

التقينا بنجم بعد الظهر، وبمجرّد أن رأيتُه قلت “كيف حالك اليوم؟”

ابستم حين سمع عبارتي، وبدل أن يردّ هو، رأيتُ أمجد اقترب منه وقال بسخرية “ما بك؟ هل ابتلعتَ لسانك؟!”

خشيتُ أن يتشاجرا مرّة أخرى، لذلك حاولتُ التدخّل، وقبل أن أفعل وضع نجم يده على كتف أمجد ثمّ قال مبتسما “أنت لا تستفزّني بما فيه الكفاية!”

أنا… لا أفهم أيّ لغة هذه الّتي يتحدّثان بها، لكنّها يبدوان منسمجين على غير العادة!

أخبرتُ نجم عن فكرة امتلاك الصحفيين ما نحتاجه من معلومات، فأعاطاني اسم أحدهم قال بأنّه كان يحوم دائما حول فاضل الذّهبي، وطلب منّي زيارته.

الغريب بأنّ أمجد قال أنّه سيذهب معي، والأغرب بأنّ نجم وافقه مباشرة! وكأنّهما فكّرا في أمر ما معا!

بعد الدّوام، استقلّينا الحافلة أنا وأمجد متّجهيْن لذاك الصّحفي. مع أنّني لا أحبّذ الخروج مع فتى!

حين وصلنا، استطعنا الدّخول بكلّ سلاسة. كان كهلا قد بدأ الشّيب بتغطية شعره، لا يوحي مكتبه بأنّه شخص مشهور، حتّى إنّه يعمل منفردا.

جلسنا معه وفتحنا قضيّة فاضل الذّهبي، وما كان يحضّره  قبل عشر سنوات. وبمجرّد أن بدأتُ الحديث في ذلك، ارتعب الرّجل ورفض الإجابة عن أسئلتي، وأمجد كان يعبث بأغراض الرّجل بدل أن يساعدني على إقناعه بالكلام!

لكن، كان واضحا من خوفه بأنّه يعرف الكثير، والمشكلة بأنّه إن لم يتكلّم فلن نستفيد شيئا. كنتُ لا أزال أتحدّث معه، حين اقترب منّي أمجد ثمّ همس لي قائلا “هذا يكفي، لنذهب”

مع أنّني لم أفهم شيئا إلّا أنّني سايرته. وحين خرجنا نظر إليّ وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة ثمّ قال “لن يخبركِ بشيء مهما فعلتِ، لذلك سنتّبع أسلوبا مختلفا”

-“أيّ أسلوب تقصد؟!”

-“سنسطو عليه!”

بدت عبارة غريبة بالنّسبة لي، ثمّ رأيتُه تحرّك من مكانه ليقف أمامي وقال “لديّ مجموعة شباب مستعدّين للقيام بما أريده مقابل المال، كلّ ما سنفعله هو اقتحام مكتبه هذا ليلا وسرقة ما نحتاجه من وثائق”

-“لا أصدّق بأنكّ تجيد فعل شيء كهذا! إذن فقد خطّطت له مذ دخلنا صحيح؟”

-“بل منذ أن طلب منّا نجم زيارته”

هه! لهذا وافق نجم بحماس على مرافقته لي، هو الآخر فكّر بنفس الأسلوب!

قال أمجد بأنّه سيعود ليلا إلى المكان مع مجموعته، أمّا أنا فقد بدأ قلبي يخفق منذ الآن.

آخر عبارة قالها أمجد كانت “إن دخلتُ السّجن فلا تنسي زيارتي!”

لقراءة الفصل التالي: ثانوية الأشباح – الفصل الثالث عشر: الجثث



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أسماء عابد
أسماء عابد   
أستاذة جامعية حاملة لشهادة دكتوراه في الهندسة الميكانيكية. كاتبة ومدوّنة ومترجمة وباحثة أكاديمية تعشق الكتب والتاريخ والحضارات
تابعونا