لقراءة الفصل الثالث: الصيّادة لينا – الفصل الثالث: أثق بك
حينما وصل كلّ من رامز ولينا إلى القصر ذهب رامز إلى غرفته مباشرة دون أن يقول لها أيّ شيء. لم تعرف لينا ما الّذي عليها فعله فقرّرت زيارة صديقتها رؤى، فهي قد اعتادت زيارتها بمجرّد أن تأتي إلى الشرق، وهي فرصة أيضا لعدم السماح لأفكارها بتعذيبها.
كانت الشمس على وشك الغروب بالفعل، وهذا يعني بأنّها ستعود متأخّرة إلى القصر. عادة ما تبلّغ رامز بذلك لأنّه سيبحث عنها، لكنّها لا تستطيع فعل ذلك هذه المرّة. رؤى بدورها شخص مقرّب من لينا، لكنّها لم تنسجم مطلقا مع رامز ولم يستطع الاثنان تكوين صداقة بينهما بعد كلّ هذا الوقت. رؤى لها عالمها الخاصّ، ورامز له عالمه الخاصّ، ورغم أنّ لينا تربطهما إلّا أنّ كلّا منهما لم يرغب بمشاركة عالمه مع الطرف الآخر.
حينما وصلت لينا إلى المقهى الّذي تديره رؤى رأتها إحدى النادلات فاستقبلتها بحفاوة وأخبرتها بأنّ رؤى في مكتبها. رؤى تملك أحد أجمل مقاهي المدينة، وقد كان السبب في بدء صداقتها مع لينا الّتي تحبّ ارتياد هذا المكان كلّما زارت الشرق.
دخلت لينا إلى غرفة المكتب دون أن تطرق الباب، وبمجرّد أن رأتها رؤى قفزت عن كرسيها وأسرعت إليها لتعانقها. تعانقت الفتاتان بحرارة ثمّ قالت رؤى بابتسامة “اشتقت لك”
ابتسمت لينا بدورها وقالت “من الجيّد رؤيتك بنفس الحيوية في كلّ مرّة”
“ممم” نظرت رؤى إلى لينا بارتياب ثمّ قالت “لا تبدين بخير، هل حدث شيء؟”
ابتسمت لينا وقالت “لا شيء مهمّ”
ابتسمت رؤى وسحبت لينا من ذراعها وقالت “أرجو أن تكوني جائعة، فهناك الكثير من الحلويات الجديدة الّتي أريد منك تجربتها”
ودون أن تختفي ابتسامتها قالت لينا بسخرية “يبدو أنّني أصبحت متذوّقة خاصّة لهذا المقهى، أريد حصّتي من الأرباح”
ضحكت رؤى وذهبت الفتاتان إلى إحدى الطاولات الّتي تطلّ على الحديقة الخارجية عبر الزجاج. عادة ما يتمّ إخراج الطاولات إلى شرفة المقهى الكبيرة، لكنّ الجوّ بارد قليلا.
جلست الفتاتان وهما تتحدّثان عن أحداث الأشهر الماضية الّتي لم تلتقيا فيها، بينما امتلأت الطاولة بالقهوة وعدّة أنواع من الحلويات.
في ذلك الوقت كان رامز في غرفته مستلقيا على الأريكة المقابلة لسريره وهو يضع ذراعه على عينيه. كان الألم قد خفّ بشكل كبير بمجرّد أن استطاع أن يسترخي، ومباشرة بدأت الأفكار تراوده بشأن ما حصل. كان يعلم بأنّ لينا كانت خائفة من شيء ما، بدا ذلك واضحا على ملامحها، لكنّه في نفس الوقت لم يتوقّع أن تعتبره عدوّا. رامز يعرف لينا خير المعرفة، ولهذا هو يعرف بأنّه كان من الممكن أن تقتله في تلك اللّحظة.
ظلّ رامز مستلقيا يحاول استعادة هدوء نفسه إلى أن سمع طرقا على الباب وصوتا يقول “العشاء جاهز”
كان ذلك صوت مدبّرة شؤون القصر.
“ادخلي” قالها رامز بعد أن جلس، وبمجرّد أن دخلت ورأت وجهه قالت “هل أنت مريض؟”
ابتسم رامز وقال “مجرّد صداع. هل عادت لينا؟”
كان المدبّرة نغم صغيرة في السنّ، لكنّها ترتدي فساتين رسمية قليلا لتلائم عملها، فعادة ما تكون مدبّرة المنزل سيّدة في متوسّط العمر تملك ما يكفي من الخبرة لإدارة المنزل، وخاصّة حينما يكون قصرا كبيرا مثل قصر رامز. لكنّ نغم كانت موهوبة ومنظّمة بشكل كبير منذ أن عملت كخادمة في القصر، ولهذا وثق بها رامز ومنحها هذه الوظيفة.
تملك نغم شعرا أشقر متوسّط الطول تقوم بتسريحه على شكل ظفيرة في غالب الأحيان، وتملك بشرة فاتحة جدّا. ترتدي نغم فساتين طويلة جميلة رغم أنّها رسمية، حيث تتميّز بالأكمام المنسوفة والتطريز في الأطراف.
“لم تعد بعد” أجابت نغم فقال رامز “هل يمكنني تناول طعامي في غرفتي؟”
استغربت نغم من طلبه لكنّها لم ترغب بأن تسأل فقالت “سأطلب منهم إحضاره لك فورا”
“شكرا، وأيضا إذا ما رأيت لينا أخبريها أن تأتي لزيارتي”
نظرت نغم إلى رامز بنظرة مرتابة وقالت “هل تطلب من فتاة زيارة غرفتك في منتصف اللّيل؟”
نظر رامز إلى نغم وكأنّه مستاء من ملاحظاتها اللّاذعة المتكرّرة وقال “إنّها لينا وليست شخصا غريبا، كما أنّه أمر مهمّ”
أخذت نغم نفسا عميقا وقالت مرغمة “فهمت، سأتغاضى عن الأمر هذه المرّة”
عبث رامز بشعره وقال ساخرا “حقّا لم أعد أعرف من هو سيّد هذا القصر بسببك أنت وعماد”
ابتسمت نغم وقالت وهي تهمّ بالمغادرة “أنت من قام بتوظيفنا لذلك لا تشتك الآن”
وقبل أن يقول رامز أيّ شيء كانت نغم قد غادرت بالفعل وأغلقت الباب خلفها.
عادت لينا متأخّرة إلى القصر، لقد حاولت التأخّر بقدر ما تستطيع كيلا تلتقي بأحد، خاصّة رامز. حينما دخلت القصر ورآها الحارس المناوب تقدّم إليها مباشرة وقال “طلبت منّي المدبّرة نغم أن أعطيك هذه الرسالة، كانت بانتظارك لكنّها ذهبت إلى النوم لأنّ الوقت متأخّر”
كانت الرسالة عبارة عن قطعة ورق صغيرة. شكرت لينا الحارس وهمّت بصعود الدرج وهي تفتح الورقة لتجد ملاحظة فيها ‘السيّد رامز يرغب برؤيتك بمجرّد عودتك، قال بأنّه أمر مهمّ’.
شعرت لينا بدقّات قلبها تتسارع وحاولت تهدئة نفسها بينما تفكّر إن كان عليها الذهاب إليه أو الانتظار إلى الغد بما أنّ الوقت متأخّر.
واصلت لينا صعود الدرج وهي لا تدري ما الّذي عليها فعله، وقبل أن تدرك وجدت نفسها أمام غرفة رامز. تردّدت لينا أمام الباب إلى أن فوجئت بصوت خطى الأقدام يقترب من الباب من الجهة الأخرى، يبدو بأنّ رامز قد انتبه لوجودها وهو على وشك فتح الباب.
لقراءة الفصل الخامس: الصيّادة لينا – الفصل الخامس: في قبضته